الثورة العربية الكبرى ثورة نهضوية ورسالة قومية عربية حققت آمال الأمة وتطلعاتها في الاستقلال والحرية والحياة الكريمة.
الاحتفال بمئوية الثورة العربية الكبرى هو احتفال بالمنجزات التي تحققت بفضل القيادة الهاشمية.
وإحياء هذه المناسبة الوطنية هو فرصة تاريخية لمواصلة العمل من أجل المستقبل وتعزيز الإرادة للإستمرار في الإنجاز وإعلاء قيم الريادة واستحضار إنجازات الأجداد والفخر بما تحقق والاحتفال بالمئوية لما يحمله من رمزية وطنية وقيمة تاريخية فريدة من نوعها.
ونستذكر أهم المحطات الوطنية التاريخية؛ كإنجاز استقلال المملكة الذي أعلنه مؤسس الدولة الأردنية المغفور له بإذن الله الملك عبدالله الأول والذي ارتقى شهيداً على عتبات الأقصى، إلى جانب القرارات المفصلية التاريخية من عمر الدولة.
وأهمها ما يتعلق بالحياة الدستورية في الأردن وهي ليست جديدة بل مرافقة لإنشاء الدولة الأردنية، وتعود بدايتها إلى عام 1924، حينما أمر أمير البلاد آنذاك المغفور له الملك عبدالله الأول بإنشاء لجنة تقوم بوضع قانون أساسي أي دستور للدولة.
وبالفعل قامت هذه اللجنة بوضع مسودة قانون (دستور) وأنهت عملها في نفس العام 1924، ووضعت توصياتها.
ولكن ولصعوبة الوضع في ذلك الوقت؛ لم يتم تنفيذ توصياتها بسبب ظروف المنطقة والانتداب البريطاني، واستمر التوقف عن تنفيذها حتى عام 1928.
ومن خلال الإطلاع على هذه التوصيات التي وردت في القانون الأساسي للدستور؛ تبيّن أنّها لم تكن ملبية وقادرة على إستيعاب تطلعات وآمال الأردنيين في إكمال تأسيس دولة ديمقراطية؛ وذلك بسبب مجموعة من الظروف والأوضاع الإقليمية والدولية التي سادت المنطقة العربية، منها الخلاف الفرنسي البريطاني كَقوتين منتدبتين لإدارة المنطقة واستمر ذلك الأمر حوالي عشرين عاماً حتى عام 1946.
ورغم إعلان استقلال المملكة الأردنية الهاشمية لم يخرج هذا القانون إلى الوجود إلا عام 1947. بالرغم من أنّ ذلك القانون الأساسي (الدستور) حقق خطوات متقدمة ومتطورة إلا أنّه لم يكن محتوياً على كل عناصر الدولة الديمقراطية وقصّر في تلبية مطالب المواطنين وحاجاتهم لإقامة بنيان ديموقراطي مكتمل العناصر.
وزاد الأمر تعقيداً؛ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين 1948 والذي أدى إلى إعلان وحدة الضفتين سنة 1950 بعد مؤتمر أريحا الذي نجم عنه تشكيل أول مجلس برلماني ضم الضفتين.
المجلس المذكور مثّل وحدة الضفتين بشكل متساوٍ شرط الحفاظ على الهوية الفلسطينية في 24 نيسان 1950.
وفي ذلك الوقت ألفّت الحكومة الأردنية لجنة جديدة لوضع مشروع دستور قُدِم إلى البرلمان، وكان لهذا الدستور طبيعة تعاقدية بموافقة نواب يمثلون الشعب في الضفتين.
وتم إصدار دستور 1952 في عهد الملك طلال بعد إغتيال الملك عبدالله الأول المؤسس.
وهكذا دخلت المملكة مرحلة جديدة من مراحل التطور السياسي وأصبح لديها أحد أفضل الدساتير العربية في العصر الحديث.
وكان خطوة رائدة في تطوير العمل السياسي، وقد تم نشره في الجريدة الرسمية في 1/1/1952، وقد احتوى بوضوح شديد على أساس الحكم والتوجه نحو الديمقراطية.
ونحن نعلم أنّ الدستور هو القانون أو المرجع الأعلى في البلاد ولا يجوز مخالفته.
واستجابة لهذا النداء جاء الميثاق الوطني الأردني في عام 1989، إلتزاماً بمبدأ سيادة القانون في إطار الرقابة الكاملة للسلطة القضائية المستقلة.
وقد تضمن الميثاق الوطني مقدمة تاريخية وثمانية فصول؛ حيث نص في الفصل الثاني منه على ضرورة إنشاء محكمة دستورية، وقد نص الميثاق على اختصاصات المحكمة الدستورية بما يلي:
1. تفسير أحكام الدستور الأردني مما يحيله مجلس الوزراء إليها من أمور.
2. الفصل فيما تحيله المحاكم إليها من إشكالات دستورية في قضايا مرفوعة أمام تلك المحاكم.
3. الفصل في المنازعات والطعون المتعلقة بدستورية القوانين والأنظمة الخاصة بالدعاوى التي يقيمها أصحاب المصلحة لديها.
لمحة عن الميثاق الوطني: هو لجنة مؤقتة صدرت بقرار ملكي من الملك حسين بن طلال بعد انتخابات 1989 والتي شاركت بها جميع القوى السياسية وتشكلت اللجنة من قرابة مائة عضو من الشخصيات السياسية المرموقة وتم صياغة ما عُرفَ بالميثاق الوطني برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات.
والميثاق الوطني هو وثيقة إعلان مبادئ ذات قوة معنوية وأدبية، ويسترشد بها عند سن القوانين لتحقيق أهداف الديموقراطية، وإن كان لا يشكل وثيقة ملزمة قانوناً.
الميثاق بما جاء فيه لم تتم الموافق عليه، ولم يُستَجَبْ له، من جهة ذات اختصاص قانوني أو دستوري، فمنهم من كان يؤيد إنشاء محكمة دستورية تتولى أمر الرقابة على دستورية القوانين، مما يستوجب على القوانين والأنظمة عدم الخروج على أحكامه؛ على أن يكون أعضاؤها من القانونيين الذي تتوافر لديهم المعرفة والخبرة القانونية ومنهم من يعارض إنشاؤها.
واستجابة للنداءات المستمرة بإنشاء محكمة دستورية شكّل رئيس الوزراء في الأردن لجنة الأردن أولاً في عام 2003 إلا أنّ هذه اللجنة -مع الأسف- قدمت في تقريرها حول هذا الموضوع بأنّ إنشاء محكمة دستورية يستلزم إجراء تعديلات دستورية أساسيّة وفق الضوابط والأصول الدستورية، وبذلك انتهى موضوع دراسة إنشاء المحكمة الدستورية عند حد تقديم هذه اللجنة لتقريرها.
وبقي الحال على ذلك؛ إلى أنْ جاءت التعديلات الدستورية الأخيرة المنشورة في الجريدة الرسمية في تاريخ 1/10/2011، والتي طال انتظارها؛ صدر التعديل الدستوري الأخير لسنة (2011) مسطّراً بين نصوصه إنشاء محكمة دستورية، مُستقلة قائمة بذاتها تتولى أمر الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة عاقداً فصلاً خاصاً للمحكمة، وهو الفصل الخامس منه، الذي بيّن اختصاصات المحكمة والجهات التي تملك حق الطعن، وموكلة للقانون أمر تحديد طريقة عملها وجميع الشؤون المتعلقة بها وبإجراءاتها وبأحكامها وقراراتها وحقوق أعضائها وحصانتهم.
بموجب هذه التعديلات الدستورية أصبحت المحكمة الدستورية هي الجهة القضائية الوحيدة المختصة بالنظر في الرقابة على دستورية القوانين في الأردن.
وبإنشاء هذه المحكمة؛ انتقلت الرقابة على الدستورية في الأردن من رقابة لا مركزية إلى رقابة مركزية.
وعليه فقد نصّ الدستور المُعدّل في المادة (58/1) على أنْ "تنشأ بقانون محكمة دستورية يكون مقرها في العاصمة عمان، وتعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بحد ذاتها".
كما حددتْ المادة (59) من الدستور اختصاصات المحكمة الدستورية، والمادة (60) بينت الجهات التي لها حق الطعن لدى المحكمة الدستورية، بينما جاء في المادة (61) الشروط الواجب توافرها في الأعضاء، وفي الفقرة الثالثة من المادة (61) إدارتها وكيفية الطعن أمامها.
نصّ الدستور الأردني على أنْ "يحدد القانون طريقة عمل المحكمة وجميع الشؤون المتعلقة بها والقانون المتعلق بها موضع التنفيذ وبيان إجراءاتها وأحكامها وقراراتها، وحقوق أعضائها وحصاناتهم".
واستناداً إلى ما جاء في التعديلات الدستورية، صدر قانون المحكمة الدستورية رقم (15 لسنة 2012)، وتم نشره في الجريدة الرسمية في العدد (5161) بتاريخ 7/6/2012.
وقد صدرت الإرادة الملكية بتاريخ 6 تشرين الأول، 2012 بتعيين رئيس وأعضاء المحكمة الدستورية البالغ عددهم تسعة أعضاء.
وجاء في المادة الأولى من هذا القانون الذي يحتوي على سبع وثلاثين مادة وسمي هذا القانون (قانون المحكمة الدستورية لسنة 2012) ويعمل به بعد مرور مائة وعشرة أيام على نشره في الجريدة الرسمية؛ وقد أعادت المادة (3/أ) من قانون المحكمة ما جاء في المادة (58/1) من الدستور المعدّل؛ فنصت على أن "تنشأ في المملكة محكمة دستورية ويكون مقرها في العاصمة وتعتبر هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها".
وقد أكدَّ النصّان الدستوريان والقانون أنّ هيئة المحكمة هيئة قضائية، ويطبق على أعضاء هذه المحكمة القواعد الخاصة بالقضاة، كعدم العزل والضمانات التأديبية وغيرها.
كما أكدَّ النصان على أنّ المحكمة مستقلة قائمة بذاتها، أيّ أنها لا تعد جزءاً من السلطة القضائية؛ بل إنّها قائمة بذاتها مستقلة وتتمتع بشخصية اعتبارية وباستقلال مالي وإداري ولها بهذه الصفة تملّك الأموال المنقولة وغير المنقولة والقيام بجمع التصرفات القانونية اللازمة لأداء مهامها وفقاً لما نصت عليه الفقرة (ب) من المادة الثالثة من قانون المحكمة الدستورية، وينوب عنها في الإجراءات القضائية الوكيل العام لإدارة قضايا الدولة.
وقد جاء قانون المحكمة الدستورية بهذا النص ليؤكد استقلالها وعدم تبعيتها لأي سلطة؛ كما قام المشرّع الدستوري بوضع النصوص المتعلقة بالمحكمة الدستورية بفصل مستقل، ولم يجعلها ضمن الفصل المتعلق بالسلطة القضائية، تأكيداً منه على استقلالها عن السلطة القضائية وعن أي سلطة أخرى.
لذا؛ فالجدير بنا في هذا البحث دراسة المحكمة الدستورية من حيث تشكيلها واختصاصاتها.